فذلك ميت الأحياء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين ،والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.

قال أمير المؤمنين (ع):( وآخر قد تسمى عالما وليس به . فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال . ونصب للناس شركا من حبائل غرور وقول زور . قد حمل الكتاب على آرائه . وعطف الحق على أهوائه يؤمن من العظائم ويهون كبير الجرائم . يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع . واعتزل البدع وبينها اضطجع . فالصورة صورة إنسان . والقلب قلب حيوان . لا يعرف باب الهدى فيتبعه . ولا باب العمى فيصد عنه . فذلك ميت الأحياء).( نهج البلاغة : 1 / 153/ بشرح محمد عبده ).

من الملاحظ عبر التاريخ البشري ان كثيراً من الناس يدعي لنفسه مقامات عالية ويسمي نفسه بأسماء يخترعها هو ويعطيها لنفسه ،فكثير ممن ادعى العلم لايعرف العلم ولا يميز العالم من غيره ، والحال ان العالم هو الذي يعرف الكلام وينقده ،فكل انسان ادعى العلم ولم تكن عنده قدره على معرفة كلام العلماء وتمييزه عن غيره لا يسمى عالماً ، بل هو مغرور بنفسه وجاهل بحقيقته جهلاً مركباً - كما يقول المناطقة - أي:انه جاهل ويجهل انه جاهل بل يعتقد نفسه عالماً .

فالعالم هو الذي عنده قدره على تمييز الكلام ،فمن هذا المنطلق لنرى ما ابتليت به الأمة الاسلامية ،حيث ابتليت بأناس كل منهم يدعى لنفسه العلم وهو لايستطيع التمييز بين كلام آل محمد(ص)من غيره ،او يميزه و لكن غلبت عليه نوازعه النفسية ومصالحه الشخصية فوقف يصد عن طريق الحق كما فعلت علماء اليهود مع الدعاة الى الله تعالى.

وهذا مانجده واضحاً في مواقفهم من الدعوة اليمانية ومن صاحبها (ع)، فسولت لهم أنفسهم الخبيثة محاربة جند الله تعالى وكيل التهم لهم كما فعلوها من كانوا قبلهم فقد اتهموا موسى وهارون وعيسى ومحمد عليه وعلى آله وعلى الانبياء آلاف التحية والثناء.

قال يماني آل محمد (ع):(ومع هذه السيرة الكريمة والمعجزات العظيمة التي جاء بها الأنبياء لم يعجز أهل الباطل عن المعارضة بالمغالطة والسفسطة الشيطانية وخصوصاً علماء الضلالة بعد أن صبغوا الناس بصبغتهم وهي تلك الصبغة الباطلة التي عارضوا بها صبغة الله سبحانه وهكذا صنعوا لهم أرضية خصبة في المجتمع الإنساني لتقبل منهم كل شيء وتتابعهم في كل شيء فزهد الأنبياء جنون ومعجزاتهم سحر وحكمتهم شعر).(الاضاءات:1/10).

فحتى الصفات الجليلة التي تحلّى بها الانبياء غلفوها بغلاف سيئ وحولوها الى تُهم، فالزهد جنون والمعجزة سحر والحكمة شعر.

والمشكلة انهم لايسمعون كلام صاحب الدعوة ،ولايتركون الناس تسمع فأخذوا سنّة فرعون (لع)الذي يقول لقومه :(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ).(غافر:29 ). فهم يخافون كما كان يخاف فرعون من انقلاب الناس عليه وتركهم عبادته،لا انهم يخافون على الرعية كي لاتقع في الضلال كما يزعمون ،فلماذا لم يخافوا عليهم وهم يعانون انواعاً من الآلام وهم متنعمين مع حواشيهم، انا لله وانا اليه راجعون. ان القران الكريم يقول : {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }.(الزمر:18).

فلابد من الاستماع ومن ثم اختيار الاحسن. نعم غاية ما عندهم هو عدم التعقل ان هذه الدعوة حق، والحال ان عدم التعقل لا يتعقل، إذ مع وجود هذه الادلة الكثيرة التي بمجموعها تبيّن ان هذه الدعوة اليمانية امتداد لدعاواى الانبياء والأئمة (ع).

{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ }.(المؤمنون:68).

فلم يأت صاحبها بشئ لم يأت به من سبقه من الاولياء ، تدبروا كلامه وانظروا فيه ،تدبروا في العلم الذي أظهره ، تدبروا في صفاته وأخلاقه،

تجدون انه اعاد لكم سلوك الصالحين ، قال أمير المؤمنين(ع):( واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق).(الكافي : 8 / 66).

إذن فأين علمكم إذا لم تميزوا بين كلام الطاهرين والسحر ؟ ان الذي لايميز السحر من غيره لايعد عالماً حقيقتاً ، بل هو جاهل مقتبس لجهائل من جهال وأضاليل من ضلال. أليس العالم هو الذي عنده نور يميز به في الظلمات فأين النور الذي عندكم ؟

ثم اين الاحتياط الذي تتكلمون به وقد سقطتم وأسقطتم العميان الذين اتبعوكم في الهاوية ،فما أروع ما قاله أمير الكلام علي (ع) يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع . واعتزل البدع وبينها اضطجع . فالصورة صورة إنسان . والقلب قلب حيوان . لا يعرف باب الهدى فيتبعه . ولا باب العمى فيصد عنه . فذلك ميت الأحياء ).

والحمد لله وحده وحده وحده.