بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا بحث لأحد انصار الامام المهدي (ع) حول شبيه عيسى ووصي الامام المهدي (ع) الوصي احمد اليماني.
وهذا البحث مكتوب منذ سنة تقريبا ولكنه لم يكتمل بعد ولم يصدرأي انه ما زال في طور التأليف.
ولكن راى مؤلفه ان من المهم ان ينزل ما تم كتابته منه في منتدى انصار الامام المهدي (ع) ليستفيد منه الانصار الابرار في رد شبهات المشككين والمرتابين، وقد كلفت بهذا العمل والحمد لله.
واليكم البحث على شكل مقالات:

بسم الله الرحمن الرحيم

شبيه عيسى واليماني

بحث تاريخي

لمعرفة حقيقة شخصية الشبيه الذي صلب بدلاً من نبي الله عيسى (ع) لابد من دراسة الموضوع دراسة تاريخية دقيقة، والوقوف على المعطيات الصحيحة التي من شأنها الإفصاح عن الحقيقة بدون أي غموض يذكر.

والمسألة المهمة جداً التي يجب معرفة تفاصيلها هي: عدد حواريّي عيسى (ع)، وهل كانوا متواجدين جميعاً عند رفع عيسى (ع)؟ وأين كان يهوذا الاسخريوطي في ذلك الوقت بالذات؟

فالثابت أن يهوذا الاسخريوطي لم يكن موجوداً عندما رفع عيسى (ع) ، بل ذهب علماء اليهود وكبراءهم ليدلهم على عيسى (ع) ويسلمه لهم، وعلى ذلك لابد أن يكون عدد الحواريين الذين حضروا رفع عيسى (ع) أحد عشر وليس اثنا عشر، لأن يهوذا الذي هو أحد الحواريين لم يكن موجوداً وقتئذٍ.

ولنقف عند الرواية الآتية لمعرفة بعض الحقائق منها:

في الكافي علي بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنى عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال : إن الله أوحى إلى انه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود ، فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ، فقال شاب منهم : أنا يا روح الله ، فقال : فأنت هوذا ، فقال لهم عيسى ، اما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنى عشرة كفرة ، فقال له رجل منهم : انا هو يا نبي الله ؟ فقال عيسى : أتحس بذلك في نفسك ؟ فلتكن هو . ثم قال لهم عيسى : اما انكم ستفترقون بعدي على ثلث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار ، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ، ثم رفع الله عيسى من زاوية البيت وهم ينظرون إليه . ثم قال أبو جعفر عليه السلام ان اليهود جائت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى : ان منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، وأخذوا الشاب الذي القى عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب . وكفر الذي قال له عيسى ، تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم مركز المصطفى (ص) ص 402.

وأخرج سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال إن منكم من يكفر لي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال أنت ذاك فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ... ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم مركز المصطفى (ص) ص 3056.

فهنا في هذه الرواية عدة أمور:

1ـ عدد الحواريين عندما رفع عيسى (ع) اثني عشر.

2ـ القي شبه عيسى (ع) على أحد هؤلاء الثني عشر.

3ـ أحد هؤلاء الأثني عشر أخبره عيسى (ع) بأنه سيكفر به أثني عشر كفرة.

4ـ رفع عيسى (ع) في نفس الوقت الذي كلم به أصحابه ومن نفس المكان.

ولنأتي إلى دراسة هذه النقاط على التوالي:

النقطة الأولى:

إن عدد الحواريين عندما رفع عيسى (ع) اثني عشر، ومن المعلوم أن يهوذا الاسخريوطي قد فارقهم قبل هذا الوقت عندما أخبره عيسى (ع) بأنه سيسعى في تسليمه إلى اليهود، فالمفروض أن يكونوا أحد عشر ، إذن فهناك شخص جديد قد التحق بهم لم يُصرح بهويته.

وقد ذُكر فراق يهوذا لعيسى وأصحابه قبل الرفع في أنجيل يوحنا، واليك النص:

( فأعلن قال: " الحق الحق أقول لكم : إن واحدا منكم سيسلمني " . فنظر التلاميذ بعضهم إلى بعض حائرين لا يدرون على من يتكلم. وكان أحد تلاميذه ، وهو الذي أحبه يسوع ، متكئا إلى جانب يسوع ، فأومأ له سمعان بطرس وقال له : " سله على من يتكلم " . فمال دون تكلف على صدر يسوع وقال له: " يا رب، من هو ؟ " . فأجاب يسوع : " هو الذي أناوله اللقمة التي أغمسها ". فغمس اللقمة ورفعها وناولها يهوذا بن سمعان الإسخريوطي . فما إن أخذ اللقمة حتى دخل فيه الشيطان. فقال له يسوع : " إفعل ما أنت فاعل وعجل " . فلم يعلم أحد من الذين على الطعام لماذا قال له ذلك، ولما كان صندوق الدراهم عند يهوذا، ظن بعضهم أن يسوع قال له: اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أمره بأن يعطي الفقراء شيئا. فتناول اللقمة إذا وخرج من وقته، وكان قد أظلم الليل ) الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية ص 334.
(يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

إذن فيهوذا لم يكن موجوداً عندما رفع الله تعالى عيسى ابن مريم (ع)، بل كل الأناجيل تنص على أن يهوذا الإسخريوطي قد جاء مع حشد اليهود والرومان الذين جاءوا للقبض على عيسى (ع)، وعلى هذا لابد من معرفة الشخص الثاني عشر الذي كان مع الحواريين عند رفع نبي الله عيسى (ع)، وسيتضح أن هذا الشخص هو الذي القي عليه شبه عيسى (ع) وصلب بدلاً عنه.

النقطة الثانية: القي شبه عيسى (ع) على أحد هؤلاء الأثني عشر: وبعد أن عرفنا أن عدد الحواريين بعد ذهاب يهوذا الإسخريوطي أحد عشر شخصاً، وقد انظم لهم شخص جديد لأن الروايات تنص على أن الذين شاهدوا رفع عيسى (ع) هم اثنا عشر رجلاً.

فهنا احتمالان: الأول: أن يكون شبيه عيسى (ع) هو أحد الحواريين الأحد عشر. والثاني: أن يكون الذي القي عليه شبه عيسى (ع) هو الشخص الجديد الذي انظم إلى الحواريين فأكمل عددهم اثنا عشر رجلاً.

ولنأتي أولا إلى مناقشة الاحتمال الأول، فأقول:

إن هذا الاحتمال بعيد من عدة جهات:

الجهة الأولى: لو قلنا بأن الشبيه من الحواريين الأحد عشر لكان عددهم بعد صلب الشبيه عشرة حواريين فقط، وهذا خلاف الثابت من أن عدد الحواريين بعد رفع عيسى وصلب الشبيه هو أحد عشر ، وهذا ثابت من خلال الأناجيل الأربعة ومن خلال مضمون الروايات الواردة بهذا الصدد،وقد ورد في أعمال الرسل أن الحواريين الأحد عشر قد اختاروا فيما بعد شخصاً ليكون عددهم اثني عشر حوارياً.فقد جاء على لسان سمعان بطرس في الإصحاح الأول من أعمال الرسل: ( فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج * منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحد منهم شاهدا معنا بقيامته. * فأقاموا اثنين يوسف الذي يدعى بارسابا الملقب يوستس ومتياس . * وصلوا قائلين أيها الرب العارف قلوب الجميع عين أنت من هذين الاثنين أيا اخترته. * ليأخذ قرعة هذه الخدمة والرسالة التي تعداها يهوذا ليذهب إلى مكانه. * ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على متياس فحسب مع الأحد عشر رسولا ) العهد القديم والجديد ج 2 - مجمع الكنائس الشرقية ص 190.

إذن فالحواريون بعد رفع عيسى (ع) أحد عشر ثم أضيف إليهم واحداً فاكتملوا اثنا عشر، وقد صرح الإمام.... (ع) بأن الحواريين بعد عيسى (ع) اثنا عشر حوارياً:

عن الباقر عليه السلام قال : ( إن الله أرسل عيسى إلى بني إسرائيل خاصة ، وكانت نبوته ببيت المقدس ، وكان من بعده من الحواريين اثني عشر... )كمال الدين ص220.

وعلى هذا لا يمكن أن يكون شبيه عيسى (ع) من الحواريين الأحد عشر ، لأن هذا يعني أن يكون عددهم عشرة، وهو خلاف ما هو ثابت من أنهم أحد عشر ثم اختاروا الثاني عشر بعد فترة ليست بالقصيرة.

(يتبــــــــــــــــــع)

الجهة الثانية: لو كان شبيه عيسى (ع) من الحواريين الأحد عشر ، لصُرح باسمه، لأن الحواريين كانوا معروفين بأسمائهم، وقد نسبت أبسط الأعمال لكل واحد منهم باسمه، فكيف يُهمل اسم من قام بهذه المهمة العظيمة التي سأل عيسى (ع) ربه أن يعفيه منها على ما جاء في الأناجيل، وأما ما نسب له من أسماء من قبل بعض الكُتّاب فهي أولا عارية عن الدليل ، وثانياً إنها متعارضة ، وسيلتي تفصيل القول في ذلك إنشاء الله تعالى فانتظر واغتنم.

الجهة الثالثة: إن مهمة تحمل الصلب مهمة عظيمة وصعبة جداً ولا يمكن لأحد أن يصبر عليها إلا الأوحدي من أولياء الله تعالى، وقد سأل عيسى (ع) الله تعالى أن يعفيه من هذه المهمة الصعبة على ما جاء في الأناجيل:متى الإصحاح 26/ مرقس الإصحاح 14/ لوقا الإصحاح 22، بألفاظ متقاربة وبنفس المضمون واليكم نص انجيل متى:

( .... امكثوا ههنا واسهروا معي . 39 ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس . ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت ) العهد القديم والجديد ج 2 - مجمع الكنائس الشرقية ص 50.

فإذا كان نبي الله عيسى نبي ومن أولي العزم وطلب من الله تعالى أن يدفع عنه الصلب والعذاب الشديد ، فكيف يمكن للحواريين أن يتحملوا ذلك وهم أقل منه فضلاً وإيماناً وتحملاً ؟!!! فلابد أن يكون من تحمل الصلب بدلاً من نبي الله عيسى (ع) أفضل منه وأكثر إيماناً وتحملاً، ومن المعلوم أنه لا يوجد أفضل من الأنبياء أولي العزم كعيسى (ع) إلا محمد (ص) وأوصياءه المطهرين (ع) وما دام أن أوصياء الرسول محمد (ص) بإمكانهم أن يتحملوا هذه المهمة دونه (ص) فيتعين أن يكون الشبيه والذي تحمل الصلب بدلاً من عيسى (ع) هو من أوصياء الرسول محمد (ص)، قد أنزله الله تعالى في ذلك الزمان لخوض غمار هذه المهمة العظيمة، وهذا الأمر ممكن وجار لأولياء الله تعالى ، وسيأتي تفصيل ذلك بحول الله وقوته.

وبعد أن تبين أن شخصية شبيه عيسى (ع) لا يمكن أن تكون من الحواريين الأحد عشر الذي حضروا رفع عيسى (ع)، فيتعين أن تكون تلك الشخصية هي ذلك الشخص الثاني عشر الذي كان حاضراً مع الحواريين عندما رفع الله تعالى عيسى (ع)، والذي هو مجهول الاسم والصفة ظاهراً.

(يتبـــــــــــع)

النقطة الثالثة: أحد هؤلاء الأثني عشر أخبره عيسى (ع) بأنه سيكفر به أثني عشر كفرة.

والكثير من الناس ربما توهم أن الشخص الذي أخبر عيسى (ع) بأنه سيكفر به اثنا عشرة كفرة، هو يهوذا الإسخريوطي الخائن ، والحق إنه ليس يهوذا الإسخريوطي الخائن،بدليل الأمور الآتية:

الأمر الأول: إن يهوذا الإسخريوطي لم يكن حاضراً عندما رفع عيسى (ع)، بل ذهب إلى اليهود ليدلهم على عيسى (ع) ـ كما تقدم ذكر ذلك ـ وكان فراقه لعيسى والحواريين في بداية الليل، كما يل على ذلك ما ورد في انجيل يوحنا: ( فأعلن قال: " الحق الحق أقول لكم : إن واحدا منكم سيسلمني " . فنظر التلاميذ بعضهم إلى بعض حائرين لا يدرون على من يتكلم. وكان أحد تلاميذه ، وهو الذي أحبه يسوع ، متكئا إلى جانب يسوع ، فأومأ له سمعان بطرس وقال له : " سله على من يتكلم " . فمال دون تكلف على صدر يسوع وقال له: " يا رب، من هو ؟ " . فأجاب يسوع : " هو الذي أناوله اللقمة التي أغمسها ". فغمس اللقمة ورفعها وناولها يهوذا بن سمعان الإسخريوطي . فما إن أخذ اللقمة حتى دخل فيه الشيطان. فقال له يسوع : " إفعل ما أنت فاعل وعجل " . فلم يعلم أحد من الذين على الطعام لماذا قال له ذلك، ولما كان صندوق الدراهم عند يهوذا، ظن بعضهم أن يسوع قال له: اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أمره بأن يعطي الفقراء شيئا. فتناول اللقمة إذا وخرج من وقته، وكان قد أظلم الليل ) الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية ص 334.

وقوله ( وكان قد أظلم الليل ) أي في بداية الليل، بينما كان رفع عيسى (ع) في وقت متأخر من الليل، ويدل على ذلك ما ورد في إنجيل متى الإصحاح 26 وإنجيل مرقس الإصحاح 14 وإنجيل لوقا الإصحاح 22،واليكم نص إنجيل متى:

( ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياما . فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة . اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة . أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف . فمضى أيضا ثانية وصلى قائلا يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها فلتكن مشيئتك . ثم جاء فوجدهم أيضا نياما . إذ كانت أعينهم ثقيلة . فتركهم ومضى أيضا وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه . ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا . هو ذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة . قوموا ننطلق . هو ذا الذي يسلمني قد اقترب وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب . والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلا الذي أقبله هو هو . أمسكوه ) العهد القديم والجديد ج 2 - مجمع الكنائس الشرقية ص 50.

إذن فمسألة الرفع حدثت بعد مضي وقت طويل من الليل بحيث لم يستطع الحواريون مواصلة السهر على ما جاء في الأناجيل ، وأنبه على أن الذي قبض عليه اليهود هو الشبيه وليس نبي الله عيسى (ع) لأن الله تعالى قد رفعه قبل ذلك، وألقى شبهه على تلك الشخصية العظيمة، فأخذوه وعذبوه وصلبوه وهم يظنون أنه عيسى (ع) نفسه، قال الله تعالى:

( وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ) النساء157ـ 158.

وعلى كل حال فيهوذا الإسخريوطي لم يكن موجوداً مع الحواريين عندما رفع عيسى (ع)، فلا يمكن أن يكون هو الذي قال له عيسى (ع) ستكفر بي اثنا عشرة كفرة.

( يتبــــــــــــــع)

الأمر الثاني: لو كان يهوذا الإسخريوطي هو الذي قال له عيسى (ع) ستكفر بي اثنتا عشرة كفرة، لكان قد شاهد رفع عيسى (ع)، وإذا كان كذلك فكيف يذهب لليهود ليدلهم على عيسى (ع) رغم أنه يعلم أنه قد رفع ؟! فالثابت تاريخياً أن يهوذا هو الذي جاء باليهود ليدلهم على عيسى (ع)، ومعنى ذلك أنه غير موجود مع الحواريين الذين شاهدوا الرفع، وقد سمعتم الروايات التي تنص على أن الذي كفر بعيسى اثنتا عشرة كفرة كان موجوداً مع الحواريين وقد شاهد رفع عيسى (ع)، وبقي ملازماً للحواريين إلى أن جاء اليهود وألقوا القبض على شبيه عيسى (ع) ، بل الرواية تنص على أن اليهود قد القوا القبض عليه أيضاً مع الشبيه، وهاك نص الرواية: ( ثم قال أبو جعفر عليه السلام إن اليهود جائت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى : ان منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، وأخذوا الشاب الذي القى عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب . وكفر الذي قال له عيسى ، تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة ).

فكيف يأخذونه وهو الذي دلهم وجاء بهم للقبض على عيسى (ع)، هذا إذا غضضنا النظر عن كونه لم يكن موجوداً أصلاً مع الحواريين حين الرفع بل فارقهم قبل ذلك الوقت ثم جاء مع اليهود وعسكرهم في وقت متأخر من الليل.

الأمر الثالث: إن ذلك الشخص لا يمكن أن يكون يهوذا الإسخريوطي نفسه، لأن عيسى (ع) قال: ( اما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنى عشرة كفرة ) وهذا يعني أن ذلك الشخص حينئذٍ لم يكن كافراً بعيسى (ع)، وانما يتحقق الكفر منه قبل الصبح كما تنص الرواية، وبعبارة أخرى: إن كفرة متأخر عن الوقت الذي رفع فيه عيسى (ع)، بينما إن كفر وخيانة يهوذا الإسخريوطي كان قبل رفع عيسى (ع) لأنه قبل ذلك ذهب إلى علماء اليهود وتواطئ معهم في تسليم عيسى (ع)، إذن فيهوذا الإسخريوطي قد تحقق منه الكفر بعيسى (ع) قبل الرفع وقبل أن يتكلم نبي الله عيسى (ع) مع الحواريين قبل الرفع بقليل.

وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون الشخص الذي أخبره عيسى (ع) بأنه سيكفر به هو يهوذا الإسخريوطي ، بل هو أحد الحواريين الأحد عشر الذين كانوا حاضرين مع عيسى (ع) في ليلة الرفع.

( يتبــــــــــــع)

بقي أن نعرف هل إن الكفر الذي صدر من أحد الحواريين الأحد عشر هو كفر مطلق؟ بحيث يستوجب الخروج عن الولاية الإلهية والدخول في ولاية الشيطان ( أعاذنا الله من ذلك) أم إنه مجرد شك أو إنكار العلاقة مع عيسى (ع) لتقية أو الخوف من الموت المحتم أو العذاب الشديد ؟

أقول: ليس بالضرورة أن يكون ذلك الكفر كفراً مطلقاً بل ربما كان إنكارا للعلاقة مع عيسى (ع) بسبب الخوف الشديد من اليهود وعلمائهم لأنهم كانوا على استعداد لقتل كل تلاميذ وحواريي عيسى ابن مريم (ع)، كما روي وقوع ذلك من بطرس بل من كل الحواريين على ما جاء في الأناجيل الأربعة: متى الإصحاح 26/ مرقس الإصحاح 14/ لوقا الإصحاح 22/ يوحنا الإصحاح 13+18 ، واليكم نص متى: ( حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية . ........ فأجاب بطرس وقال له وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً. قال له يسوع الحق أقول لك: إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات . قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك . هكذا قال أيضا جميع التلاميذ ) العهد القديم والجديد ج 2 - مجمع الكنائس الشرقية ص 49.

وفعلاً أنكر بطرس عيسى (ع)، وذلك بعد أن القي القبض على الشبيه وعندما قال له بعض اليهود إنك من أتباع المسيح فأنكر ذلك عدة مرات، واليكم نص انجيل متى الإصحاح 26: ( أما بطرس فكان جالسا خارجا في الدار . فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع قائلا لست أدري ما تقولين . ثم إذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضا بقسم إني لست أعرف الرجل . وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقا أنت أيضا منهم فإن لغتك تظهرك. فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل . وللوقت صاح الديك . فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات . فخرج إلى خارج وبكى بكاء مراً ) العهد القديم والجديد ج 2 - مجمع الكنائس الشرقية ص 51.

وربما يكون بطرس هو المقصود بالرجل الذي قال له عيسى عليه السلام: ستكفر بي اثني عشرة كفرة قبل الصبح ، للاشتراك فهناك قال له : ( قبل الصبح ) وهنا قال له: ( قبل أن يصيح الديك ) ـ أي ديك الصبح ـ ، واما مسألة عدد الكفرات أو الإنكار ، فلعله قد أنكره في كل حادثة من الثلاث أكثر من مرة ، فيكون المجموع أثني عشرة مرة، والله العالم والحاكم.

النقطة الرابعة: رُفع عيسى (ع) في نفس الوقت الذي كلم به أصحابه ومن نفس المكان.

بل ربما ان بطرس انكر الشبيه لأنه عرف انه ليس هو عيسى (ع) نفسه، ثم ندم عندما عرف انه قد انكر ولياً من اولياء الله تعالى، وربما سيأتي تفصيل هذه المسألة في مستقبل البحث انشاء الله تعالى.

والذي يؤكد أن شبيه عيسى (ع) ليس من الحواريين ، وأن الذي اخبره عيسى (ع) بأنه سيكفر به ليس هو يهوذا الإسخريوطي بل أحد الحواريين الأحد عشر الذين كانوا حاضرين عندما رفع عيسى (ع) ، يؤكد كل ذلك هو وحدة الزمان والمكان الذي اجتمع به عيسى (ع) مع أصحابه وأخبر من سيلقى عليه شبهه ومن سيكفر به قبل الصبح ثم مجيء اليهود بصحبة ودلالة يهوذا الإسخريوطي، والقبض على الشبيه، كل ذلك حصل في زمان متصل ومكان واحد.

فلو كان حصول هذه الأحداث في مكانين أو زمانين لربما أمكن لأحد أن يزعم أن يهوذا الإسخريوطي كان مع الحواريين في الاجتماع الأول وحُسب مع الحواريين الأثني عشر وسمع ما قاله عيسى (ع)، ثم في الاجتماع الثاني لم يكن موجوداً ورفع عيسى (ع) وجاء يهوذا مع اليهود لإلقاء القبض عليه فاخذوا من ألقي عليه شبه عيسى (ع)،ورغم إن هذا الاحتمال عليه عدة اعتراضات ولا يحل الإشكال، ولكن حتى مع غض النظر عن ذلك، فهو احتمال غير صحيح والروايات لا تساعد عليه بل تنص على خلافه،فهي ظاهرة بأن الاجتماع واحد تم فيه تبليغ الحواريين بالرفع وتعيين الشبيه وكذلك تعيين الذي يكفر أو ينكر عيسى (ع) أثني عشرة مرة، فمجيء اليهود بصحبة يهوذا الإسخريوطي فالقبض على الشبيه، ومع ذلك تنص الرواية على أن عدد الحواريين اثنا عشر مع العلم أن الثاني عشر وهو يهوذا الإسخريوطي لم يكن موجوداً في ذلك الاجتماع، فمن هو الثاني عشر ومن هو الذي القي عليه شبه عيسى (ع) فصلب بدلاً عنه ؟!!

( يتبــــــــــــع)

ولكي تتأكدوا من ذلك سأعيد بعض فصول الرواية التي سردت تلك الأحداث لتعلموا هل أنها حدثت في جلسة واحدة أو أكثر؟

عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنى عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال : إن الله أوحى إلى انه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود ، فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ، فقال شاب منهم : أنا يا روح الله ، فقال : فأنت هوذا ، فقال لهم عيسى ، اما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنى عشرة كفرة ، فقال له رجل منهم : انا هو يا نبي الله ؟ فقال عيسى : أتحس بذلك في نفسك ؟ فلتكن هو . ثم قال لهم عيسى : اما انكم ستفترقون بعدي على ثلث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار ، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ، ثم رفع الله عيسى من زاوية البيت وهم ينظرون إليه . ثم قال أبو جعفر عليه السلام ان اليهود جائت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى : ان منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، وأخذوا الشاب الذي القى عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب . وكفر الذي قال له عيسى ، تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة ).

فأولاً العدد كان اثني عشر رجلاً بدليل قوله (ع): ( فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثني عشر رجلاً ).

وثانياً رفع عيسى (ع) في نفس الليلة، بدليل قوله (ع): ( إن الله أوحى إلى انه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود )، وقوله (ع): ( ثم رفع الله عيسى من زاوية البيت وهم ينظرون إليه).

وثالثاً جاء اليهود مع يهوذا في نفس تلك الليلة وقبضوا على شبيه عيسى (ع)، بدليل قوله (ع): ( إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم ......وأخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب ).

إذن فالأحداث كلها قد نُص على أنها حدثت في وقت واحد ومكان واحد لا غير، وقد ثبت أن يهوذا الإسخريوطي لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، وبهذا يكون عدد الحواريين أحد عشر فقط، ويبقى السؤال المُلِّح: من هو الرجل الثاني عشر الذي كان موجوداً مع الحواريين الأحد عشر ؟؟؟؟؟

(يتبــــــــــع)

ما هو اسم شبيه عيسى (ع)؟

لقد تتبعت الروايات والأناجيل فلم أجد فيها اسما لهذا الولي العظيم الذي القي عليه شبه عيسى (ع)، فذهب إلى الصلب صامتاً وعُذب صامتاً وصُلب صامتاً، وبقي إلى يومنا هذا صامت الذكر، لم يُذكر أو يُمجد على ما بذله رغم كل هذه التضحية التي قام بها.

وقد روي عن وهب بن منبه أن اسمه (سرجس)، في الخبر الآتي:

قال وهب بن منبه: أتى عيسى عليه السلام ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت، فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صيرهم الله كلهم على صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتمونا ؟ لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا ، فقال عيسى عليه السلام لأصحابه : من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة ؟ فقال رجل منهم اسمه سرجس : أنا ، فخرج إليهم ، فقال : أنا عيسى ، فأخذوه وقتلوه وصلبوه ، ورفع الله عيسى من يومه ذلك ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم ص 967.

وتعيين وهب بن منبه لأسم شبيه عيسى (ع) عارٍ عن الدليل وبعيد كل البعد عن الصحة للأمور التالية:

1ـ إن رواية وهب هذه غير مسندة لا إلى نبي ولا إلى وصي ولا إلى من عُلم أنه لا ينقل إلا عن المعصوم، فلا يمكن الاعتماد عليها.

2ـ إنها رواية عاميه منقولة عن طرق أبناء العامة فقط، ولم نجد ما يعضدها عن طريق عترة المصطفى (عليه وعليهم آلاف التحية والسلام)، بل إن الأئمة (ع) سكتوا عن تعيين اسم شبيه عيسى (ع) لحكمة معينة ستظهر للقارئ من خلال هذا البحث أنشاء الله تعالى.

3ـ لقد ذكر نفس هذه الرواية ابن جرير ولم يذكر فيها اسم الشبيه (سرجس) وهذا يدل على ان هذا الاسم قد أُقحم في هذه الرواية ربما سهواً أو اشتباهاً واليكم نص الرواية:

قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن هارون بن عنترة ، عن وهب بن منبه قال : أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم ، فلما دخلوا عليهم صورهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم : سحرتمونا لتبرزن إلينا عيسى أو لنقتلنكم جميعا فقال عيسى لأصحابه : من يشتري منكم نفسه اليوم بالجنة ؟ فقال رجل : أنا فخرج إليهم فقال : أنا عيسى ، وقد صوره الله على صورة عيسى ، فأخذوه فقتلوه وصلبوه فمن ثم شبه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى فظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى ورفع الله عيسى من يومه ذلك ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم ص 1423.

والظاهر أن هذا الخلط جاء عن تصريح محمد بن إسحاق بهذا الاسم عندما تطرق إلى هذه المسألة، فظنوه من ضمن الخبر الذي ذكره وهب بن منبه، حيث قال محمد بن إسحاق:

( وجعل عيسى عليه السلام يدعو الله عز وجل أن يؤخر أجله يعني ليبلغ الرسالة ويكمل الدعوة ويكثر الناس الدخول في دين الله، قيل وكان عنده من الحواريين اثني عشر رجلا : بطرس ويعقوب بن زبدا ويحنس أخو يعقوب واندراوس وفليبس وابرثلما ومتى وتوماس ويعقوب بن حلقيا وتداوس وفتاتيا ويودس كريا يوطا وهذا هو الذي دل اليهود على عيسى . قال ابن إسحق : وكان فيهم رجل آخر اسمه سرجس كتمته النصارى ، وهو الذي ألقى شبه المسيح عليه ، فصلب عنه ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم ص 1423.

وقول ابن إسحاق: ( وكان فيهم رجل آخر اسمه سرجس كتمته النصارى ) غريب، لأنه إذا كان من الحواريين الأثني عشر فلا يوجد فيه شخص اسمه سرجس حسب تعداد ابن إسحاق نفسه لهم، وإذا كان من غير الحواريين فهذا يقتضي أن يكون عدد الذين حضروا رفع عيسى (ع) ثلاثة عشر وليس اثني عشر، وهذا أيضا خلاف تصريح ابن إسحاق نفسه في نفس كلامه، حيث قال: ( وكان عنده من الحواريين اثني عشر رجلاً ).

ونجد ابن إسحاق يصرح في كلام آخر بأن سرجس هو أحد الحواريين، واليكم نص كلامه: ( وكان اسم الذي القي عليه شبهه سرجس ، وكان أحد الحواريين ) شرك اليهود . . وصفحات من عقائدهم وتاريخهم ص 88.

وقد سمعتم ان ابن إسحاق قد عدد أسماء الحواريين الأثني عشر ولم يذكر منهم سرجس ثم هنا يقول إن سرجس أحد الحواريين، وهذا يلزم أن يكون عدد الحواريين ثلاثة عشر ، وهو مخالف لما هو ثابت من عددهم اثنا عشر لا غير، وبهذا يثبت تعارض كلام ابن إسحاق ووهنه.

(يتبـــــــــــع)

4ـ ثم لنأتي إلى ذكر أسماء الحواريين ولنرى هل فيهم أحد اسمه سرجس كما يزعم ابن إسحاق؟

وسأذكر أسمائهم على ما جاء في إنجيل متى بداية الإصحاح العاشر وهي كالآتي:

1 - سمعان المعروف باسم بطرس .

2 - اندراوس أخو سمعان .

3 - يعقوب بن زبدي.

4 - يوحنا أخو يعقوب .

5 - فيلبس .

6 - برتولماوس .

7 - توما .

8 - متى العشار .

9 - يعقوب بن حلفي.

10 - لباوس الملقب تداوس .

11 - سمعان الوطني الغيور.

12 - يهوذا الإسخريوطي .

وفي إنجيل برنابا استبدل توما وسمعان الوطني الغيور وعُد مكانهما برنابا ويهوذا آخر غير يهوذا الإسخريوطي الخائن.

وبعض الباحثين جعل بولس (شاول) تكملة الأثني عشر بدلاً من يهوذا الإسخريوطي لأنه مات بعد خيانته.

وعلى كل حال لم نجد في كل الأناجيل ولا في الروايات أن أحد حواريي عيسى (ع) رجل اسمه (سرجس)، وبهذا يثبت وهم من ادعى ذلك.

ولم نجد أيضاً أن الشبيه أطلق عليه أسم أحد الحواريين الأحد عشر الذين شاهدوا رفع عيسى (ع)، وهذا يدل على أنه غيرهم وأنه شخص التحق بهم مؤخراً، وقد أخفى الله اسمه وصفته إلى حين حضور وقته.

يتبـــــــــــع)

شبيه عيسى هو أول المهديين

لقد ذكرت فيما سبق من هذا البحث أن مهمة تحمل الصلب والعذاب والاستهزاء الذي سبقه مهمة عظيمة وصعبة جداً، وإن نبي الله عيسى سأل الله تعالى أن يعفيه من تلك المهمة الصعبة، وإذا كان عيسى (ع) رغم أنه من الأنبياء أولي العزم وطلب من الله أن يعفيه من ذلك، فهذا يدل على ان الذي تحمل الصلب بدلاً عنه أفضل من عيسى (ع)، ولا يوجد أحد أفضل من الأنبياء أولي العزم إلا الرسول محمد (ص) وأوصيائه الأبرار، فلابد أن يكون هذا الشبيه هو أحد أوصياء الرسول محمد (ص) قد أنزله الله تعالى في ذلك الزمان ليمارس هذا الدور ، كما كان جده علي بن أبي طالب (ع) عوناً لكل الأنبياء والرسل (ع) وهو لم يولد بعد.

وقد رفع هذا الموضوع إلى السيد أحمد الحسن وصي ورسول الإمام المهدي (ع) على شكل سؤال على النحو التالي:

س/ ما هي قصة عيسى (ع) ؟ . وكيف شبه لهم بقوله تعالى :

(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء:157) .

وكان جواب السيد أحمد الحسن كالآتي:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وال محمد الأئمة والمهديين.

عيسى (ع) في الليلة التي رفع فيها واعد حوارييه، فحضروا عنده، إلا يهوذا الذي دل علماء اليهود على عيسى (ع)، فقد ذهب إلى المرجع الأعلى لليهود، وقايضه على تسليم عيسى (ع) لهم.

وكان بعد منتصف الليل أن نام الحواريون، وبقي عيسى (ع)، فرفعه الله، وانزل (شبيهه الذي صلب وقتل)، فكان درعاً له وفداء، وهذا الشبيه هو من (الأوصياء من آل محمد) (ع)، صلب وقتل وتحمل العذاب لأجل قضية الإمام المهدي (ع).

وعيسى (ع) لم يصلب ولم يقتل ، بل رُفع فنجاه الله من أيدي اليهود وعلمائهم الضالين المضلين (لعنهم الله) ، قال تعالى ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) .

وفي الرواية في تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر (ع) قال : (إن عيسى (ع) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا عند المساء ، و هم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء ، فقال إن الله رافعي إليه الساعة و مطهري من اليهود فأيكم يلقي عليه شبحي فيقتل و يصلب و يكون معي في درجتي قال شاب منهم أنا يا روح الله قال فأنت هُوَ ذا …..

ثم قال (ع) إن اليهود جاءت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم … و أخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى (ع) فقتل و صلب)^[sup][1][/sup] .

فالإمام الباقر (ع) يقول : (اجتمع اثنا عشر) ، بينما الذين جاءوا من الحواريين هم (أحد عشر) ، فيهوذا لم يأتي ، بل ذهب إلى علماء اليهود ليسلم عيسى (ع) ، وهذا من المتواترات التي لا تنكر ، فالثاني عشر الذي جاء أو قل الذي نزل من السماء ، هو الوصي من آل محمد (ع) ، الذي صُلِبَ وقـُتِلَ ، بعد أن شُبـِهَ بصورة عيسى (ع) .

وكانت آخر كلمات هذا الوصي عند صلبه هي : (إيليا ، إيليا لما شبقتني) ، وفي إنجيل متى : ( … صرخ يسوع بصوت عظيم إيلي إيلي لما شبقتني أي الهي ، الهي لماذا تركتني . فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا ، قالوا : انه ينادي إيليا … وأما الباقون فقالوا أترك لنرى هل يأتي إيليا يخلصه . فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم وأسلم الروح .

وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل . والأرض تزلزلت والصخور تشققت … )^[sup][2][/sup] . انتهى .

[1] - قصص الأنبياء للجزائري : ص473 .

[2]- إنجيل متى إصحاح /27 .

(يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

والحقيقة إن ترجمة الكلمات التي قالها هكذا (يا علي يا علي لماذا أنزلتني)، والنصارى يترجمونها هكذا (الهي، الهي لماذا تركتني) كما تبين لك من النص السابق من الإنجيل.

والإنزال أو الإلقاء في الأرض من السماء قريب من الترك .

ولم يقل هذا الوصي هذه الكلمات جهلاً منه بسبب الإنزال ، أو اعتراضاً على أمر الله سبحانه وتعالى ، بل هي سؤال يستبطن جوابه ، وجهه إلى الناس : أي افهموا واعرفوا لماذا نزلتُ ولماذا صلبتُ ، ولماذا قتلتُ ، لكي لا تفشلوا في الامتحان مرة أخرى ، إذا أعيد نفس السؤال ، فإذا رأيتم الرومان (أو أشباههم) يحتلون الأرض ، وعلماء اليهود (أو أشباههم) يداهنونهم ، فسأكون في تلك الأرض فهذه سنة الله التي تتكرر ، فخذوا عبرتكم وانصروني إذا جئت ولا تشاركوا مرة أخرى في صلبي وقتلي .

كان يريد أن يقول في جواب السؤال (البيَّن لكل عاقل نقي الفطرة) : صُلبتُ وتحملتُ العذاب وإهانات علماء اليهود ، وقـُتلتُ لأجل القيامة الصغرى ، قيامة الإمام المهدي (ع) ، ودولة الحق والعدل الإلهي على هذه الأرض .

وهذا الوصي عندما سأله علماء اليهود والحاكم الروماني: هل أنت مَلِك اليهود ؟ كان يجيب أنت قلت، أو هم يقولون، أو انتم تقولون، ولم يقل نعم، جواب غريب على من يجهل الحقيقة، ولكنه الآن توضح.

فلم يقل: نعم، لأنه ليس هو مَلِك اليهود، بل عيسى (ع) الذي رفعه الله، وهو الشبيه الذي نزل ليُصلب ويُقتل بدلاً عن عيسى (ع).

وهذا نص جوابه - بعد أن الُقِيَ عليه القبض - من الإنجيل:

( فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح. قال له يسوع: أنت قلت …)^[sup][1][/sup] ، ( … فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أ أنت مَلِك اليهود . فقال له يسوع : أنت تقول … )^[sup][2][/sup] ، ( … فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول …)^[sup][3][/sup] ، (… فقال الجميع أ فأنت المسيح فقال لهم انتم تقولون أني أنا هو … )^[sup][4][/sup] ، (…33 ثم دخل بيلاطس أيضا إلى دار الولاية ودعا يسوع ، وقال له أنت ملك اليهود . 34 أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني . 35 أجابه بيلاطس أ لعلي أنا يهودي . اُمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلي . ماذا فعلت . 36 أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسَلَّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا . 37 فقال له بيلاطس أ فأنت إذا مَلِك . أجاب يسوع أنت تقول إني ملك . لهذا قد ولدت أنا ، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق …)^[sup][5][/sup] .

[1]- إنجيل متى إصحاح /26.

[2]- إنجيل متى إصحاح /27 .

[3]- إنجيل مرقس إصحاح /15 .

[4]- إنجيل لوقا إصحاح 22 .

[5]- إنجيل يوحنا إصحاح /18 .

(يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

وفي هذا النص الأخير بيَّنَ الوصي انه ليس من أهل الأرض في ذلك الزمان ، بل نزل إليها لإنجاز مهمة وهي فداء عيسى (ع) ، حيث ترى أن هذا الوصي يقول : ( مملكتي ليست من هذا العالم ) ، (ولكن الآن ليست مملكتي من هنا ) ، ( ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق )

عن رسول الله (ص) : ( قال ينـزل عيسى ابن مريم (ع) عند انفجار الصبح مابين مهرودين وهما ثوبان أصفران من الزعفران ، أبيض الجسم ، أصهب الرأس ، أفرق الشعر ، كأن رأسه يقطر دهنا ، بيده حربة ، يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويهلك الدجال ويقبض أموال القائم ويمشي خلفه أهل الكهف ، وهو الوزير الأيمن للقائم وحاجبه ونائبه ، ويبسط في المغرب والمشرق الأمن من كرامة الحجة بن الحسن –ع- )^[sup][1][/sup] .

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) (… ويعود دار الملك إلى الزوراء وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله ، فعند ذلك خروج السفياني فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب فويل لمصر وويل للزوراء وويل للكوفة والويل لواسط كأني انظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر وعند ذلك خروج السفياني ويقل الطعام ويقحط الناس ويقل المطر فلا أرض تنبت ولا سماء تنـزل ، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم … )^[sup][2][/sup].

وتوجد أحاديث كثيرة تدل على أن عيسى (ع) لم يصلب ولم يقتل، بل الذي صلب وقتل هو شبيه عيسى (ع).

عن أبي عبد الله (ع) : ( قال رفع عيسى ابن مريم (ع) بمدرعة من صوف من غزل مريم (ع) و من خياطة مريم ، فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى بن مريم ألق عنك زينة الدنيا )^[sup][3][/sup]

وعن الرضا (ع) ( قال ما شُبـِهَ أمر أحد من أنبياء الله و حججه (ع) للناس إلا أمر عيسى بن مريم (ع) وحده ، لأنه رفع من الأرض حيا و قُبض روحه بين السماء و الأرض ثم رفع إلى السماء و رد إليه روحه و ذلك قوله عز و جل : ( إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ )^[sup][4][/sup]

وعن النبي ص قال: ( عيسى (ع) لم يمت و إنه راجعٌ إليكم قبل يوم القيامة )^[sup][5][/sup].

والتـَفـْتْ إلى:-

إن عيسى نبي مرسل وقد طلب من الله سبحانه وتعالى أن يُعفى ويُصرف عنه الصلب والعذاب والقتل ، والله سبحانه وتعالى لا يرد دعاء نبي مرسل ، فالله استجاب له ورفعه وأُنزل الوصي الذي صُلب وقـُتل بدلاً عنه ، وفي الإنجيل عدة نصوص فيها دعاء عيسى (ع) بأن يُصرف عنه الصلب والقتل .

وهي :

(… ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس …)^[sup][6][/sup] .

( …ثم تقدم قليلا وخر على الأرض وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن * وقال يا أبا الآب كل شئ مستطاع لك فاجز عني هذه الكأس … )^[sup][7][/sup].

( … وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى * قائلا يا أبتاه إن شئت أن تـُجز عني هذه الكأس …)^[sup][8][/sup] .

وفي التوراة سفر إشعيا وفي الإنجيل أعمال الرسل الإصحاح الثامن هذا النص: ( … مثل شاة سيق إلى الذبح ، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه …)

وكل الأنبياء والأوصياء المرسلين تكلموا ، لم يذهب احد منهم صامت إلى الذبح ، بل هم أُرسلوا ليتكلموا ويُبكتوا ويعضوا الناس ، وعيسى (ع) بالخصوص كم بَـكـَّتَ العلماء والناس . وكم وعظهم فلا يَصدِقُ عليه انه ذهب إلى الذبح صامت .

بل هذا الذي ذهب إلى الذبح صامت هو الوصي : (شبيه عيسى) الذي صُلب وقـُتل دون أن يتكلم ، أو يطلب من الله أن يُصرف عنه العذاب والصلب والقتل ، ودون أن يتكلم مع الناس . بل إذا الحوا عليه وسألوه بإلحاح من أنت ، هل أنت المسيح ، لم يكن يجيبهم إلا بكلمة ، أنت قلت .

وهكذا ذهب إلى العذاب والصلب والقتل صامتاً راضياً بأمر الله ، منفذاً لما أُنزل له ، وهو أن يُصلب ويُقتل بدلاً من عيسى (ع) .

ولأنه أصلاً لم يكن وقته قد حان ليُرسل ويُبلغ الناس ويتكلم معهم ، ذهب هكذا : مثل شاة سيق إلى الذبح ، مثل خروف صامت أمام الذي يجزره هكذا لم يفتح فاه .

ارجوا أن يستفيد كل مؤمن :- يريد معرفة الحقيقة من هذا الموقف ، فهذا الإنسان نزل إلى الأرض ، وصُلب وقـُتل ولا احد يعرفه ، لم يطلب أن يُذكر أو أن يُعرف ، نزل صامتاً ، وصلب صامتاً ، وقـُتل صامتاً ، وصعد إلى ربه صامتاً ، هكذا :- إن أردتم أن تكونوا فكونوا .انتهى كلام السيد أحمد الحسن.

[1]- غاية المرام السيد هاشم البحراني ج 7 ص 92.

[2]- الملاحم والفتن - السيد بن طاووس الحسني ص 134.

[3]- قصص الأنبياء نعمة الله الجزائري

[4]- قصص الأنبياء وعيون الأخبار

[5]- قصص الأنبياء

[6]- متى 26 .

[7]- مرقس 14

[8]- لوقا 22

(يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع)

أقول: اتضح من جواب السيد أحمد الحسن أن شبيه عيسى (ع) هو احد أوصياء الرسول محمد (ص) وهو المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي (ع) واليماني الموعود، واتضحت الحكمة من إخفاء اسمه وهويته إلى أن جاء وقتها اليوم فأظهرها صاحبها القديم الجديد.

(يتبـــــــــــــــــــع)

شُبهات وردود

الشبهة الأولى:

رب قائل يقول: كيف يمكن لشخص أن يموت ثم يحيا من جديد ويمارس حياة جديدة ثم يموت مرة أخرى؟

ويرد عليه: إن مسألة إحياء الموتى قد نص عليها القرآن الكريم في عدة مواضع وقد أخبر عن وقوعها في الأمم السالفة عدة مرات، أضف إلى ذلك ما تواتر من السنة المطهرة عن طريق الرسول محمد (ص) وعترته الطاهرة، وإذا كان ذلك ممكن وقد وقع في أجراه الله تعالى في الأمم السالفة فلا يمكن لأحد الاعتراض على وقوعه في أمة محمد (ص)، لقوله (ص):

: ( يكون في هذه الأمة مثل ما يكون في الأمم السالفة ، حذوا النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ) الاعتقادات للشيخ المفيد ص 62.

وسأذكر بعض الحوادث التي أحيا الله تعالى بها بعض الأموات بعد عشرات أو مئات السنين:

ـ قصة نبي الله أرميا و حزقيل وغيرهما على ما جاء في محاججة الزنديق مع الإمام الصادق (ع) : ( قال الزنديق : فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عمن مضى منا ، إلى ما صاروا وكيف حالهم ، وماذا لقوا بعد الموت ، وأي شيء صنع بهم ، لعمل الناس على اليقين ، واضمحل الشك وذهب الغل عن القلوب . قال ( عليه السلام ) : إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم ، ولم يصدق بما جاءوا به من عند الله ، إذ أخبروا وقالوا : إن الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه حال من مات منا ، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله . وقد رجع إلى الدنيا مما مات خلق كثير ، منهم : أصحاب الكهف ، أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق . وأمات الله ( أرميا ) النبي ( عليه السلام ) الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ) ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم ، وكيف تلبس اللحم ، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فلما استوى قاعدا قال : ( أعلم أن الله على كل شيء قدير ). وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم ، وأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا ، بعث الله - في وقت أحب أن يرى خلقه قدرته - نبيا يقال له : " حزقيل " فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ، ورجعت فيهم أرواحهم ، وقاموا كهيئة يوم ماتوا ، لا يفقدون من أعدادهم رجلا ، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا . وإن الله أمات قوما خرجوا مع موسى ( عليه السلام ) حين توجه إلى الله فقالوا : ( أرنا الله جهرة ) ، فأماتهم الله ثم أحياهم ) الإمام جعفر الصادق عليه السلام ج 2 - الحاج حسين الشاكري ص 44.

(يتبـــــــــــــــــــــع)

الشبهة الثانية: وإن قيل: لو سلمنا بإمكان إحياء الموتى الأموات، ولكن هذا الإحياء يكون لنفس الجسد الميت لا لجسد آخر غير الجسد الأول!!!

الجواب:

1ـ لا يمكن التسليم بأن كل الذين أحياهم الله تعالى ، أحياهم بنفس الأجساد التي أماتهم فيها، فهذا نبي الله أرميا (ع) قد أحياه الله تعالى بعد مئة سنة وبعد اندثار أعضائه، وهو يرى أعضائه كيف يكسوها اللحم من جديد، فلا يوجد دليل على أن هذه الأعضاء هي نفسها التي اندثرت، بل الراجح أن الله تعالى قد أعادها من جديد، لقوله تعالى: (

أو كالذي مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) البقرة 259.

أي كيف نكسوها باللحم من جديد بعد أن كانت مجردة عنه، أضف إلى ذلك آلاف الناس الذين مر عليهم نبي الله حزقيل وهم عبارة عن عظام نخرة، فسأل الله تعالى أن يحييهم فأحياهم الله تعالى، وكساهم لحماً وشحماً ودماً، ومن أين الدليل على أن ذلك اللحم والشحم والدم هو بعينه الذي أماتهم الله تعالى فيه؟

2ـ إن الأساس هو الروح التي تحس وتتألم وتتذكر، ولكل روح جسد ملكوتي أو قل برزخي وهذا الجسد ملازم للجسد المادي العنصري في الحياة الدنيا، ويمكنه الانفصال عنه في بعض الحالات، كما حدث لبعض الأئمة (ع) وخصوصاً أمير المؤمنين (ع)، عندما انهزم أمامه جيش في أحد المعارك وفر الجنود إلى جهات مختلفة وكل واحد منهم يرى أمير المؤمنين (ع) يركض خلفه.

وهذا الجسد هو الذي يحضر به النبي محمد (ص) وآل بيته (ع) عند كل مؤمن عندما تحضره الوفاة،فحتى لو مات مليون مؤمن في ساعة واحدة وفي بلاد متباعدة، فإنهم (ع) يحضرون لدى الجميع ويبشرونهم بالجنة والرضوان، وقطعاً إن هذا الحضور لا يمكن أن يتم بهذا الجسد المادي العنصري.

بل إن حياة البرزخ لا ي تكون بهذا الجسد المادي، فالبرزخ عالم يختلف عن عالم المادة ( الحياة الدنيا ) وله قوانينه الخاصة، وكذلك الجنة والنار فهي من عالم الملكوت والملكوت لا يمكن أن يحل فيه ذرة من عالم المادة بما هو مادة.

وهذا الجسد البرزخي مصاحب ومماثل للجسد المادي ومشارك له في كل أعماله الدنيوية، ولذلك يصح وقوع النعيم العذاب عليه في البرزخ وفي وبعد يوم القيامة، والجسد المادي عبارة عن أداة ووسيلة للروح والعقاب يقع على موجه الأداة لا على الأداة نفسها، فمثلاً لو قتل زيد شخصاً بواسطة سكين، فهل القصاص والعقاب على هذا القتل يقع على زيد القاتل أم على السكين التي باشرت القتل؟

ويؤيد ذلك قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( فإذا قبضه الله إليه صيَّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون ، فإذا قدم عليهم القادم ، عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا ) . الامالي للطوسي ص419.

وقد علق الشيخ جعفر السبحاني على هذه الرواية قائلاً: ( فترى أن الإمام ( عليه السلام ) يذكر كلمة الصورة ، ولعل فيه تذكير بأنه يكفي في المعاد الجسماني كون المعاد متحدا مع المبتدأ في الصورة من غير حاجة إلى أن يكون هناك وحدة في المادة الترابية بحيث إذا طرأ مانع من خلق الإنسان منه ، فشل المعاد الجسماني ولم يتحقق . ويستظهر ذلك أيضا من نحو قوله تعالى: ( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم... ) محاضرات في الإلهيات ص 420.

ثم قال الشيخ السبحاني نقلاً عن العلامة الطباطبائي: ( وقال العلامة الطباطبائي ( قدس سره ) : ( البدن اللاحق من الإنسان إذا اعتبر بالقياس إلى البدن السابق منه كان مثله لا عينه ، لكن الإنسان ذا البدن اللاحق إذا قيس إلى الإنسان ذي البدن السابق ، كان عينه لا مثله ، لأن الشخصية بالنفس وهي واحدة بعينها ) محاضرات في الإلهيات ص 421.

ولشدة ملازمة الروح والجسد البرزخي للجسد المادي تجد أن ما تقوم به الروح والجسد البرزخي تظهر آثاره على الجسد المادي، فمثلاً أنت في منامك ترى بأنك تأكل أو تشرب أو تتلذذ تخاف أو تفرح أو تحزن، وعن الاستيقاظ من النوم تجد المؤثرات قد أثرت على جسدك المادي، في حين أنها لم تقع عليه بل على الروح والجسد البرزخي. ومثلاً تجد الإنسان يرى في منامة كأنه ينكح امرأة، فيستيقظ ويجد نفسه قد أجنب فعلاً وخرج منه السائل المنوي من خلال هذا الجسد المادي العنصري، مع أنه لم يمارس النكاح بهذا الجسد المادي، بل بروحه وجسده البرزخي.

إذن فهناك ترابط قوي جداً بين الجسد البرزخي والجسد المادي، بحيث يصدق أن تقول عنهما إنهما جسد واحد من جهة وجسدين من جهة أخرى.

وبهذا يتضح أن الأساس هو الروح والجسد البرزخي، وأما الجسد المادي العنصري فهو في حالة تبدل وتغير مستمر خلال مراحل حياة الإنسان في الحياة الدنيا، فجسد الإنسان المادي وهو طفل غير جسده وهو شاب، وجسده وهو شاب غير جسده وهو شيخ هرم، بل قيل إن خلايا جسد الإنسان تتبدل كل خمس سنين.

بل استطاع العلم الحديث أن يستبدل الكثير من أعضاء الإنسان بأعضاء أخرى من إنسان آخر، فهذه قدرة الإنسان المحدود الضئيل، فكيف بقدرة جبار السموات والأرض، قال تعالى: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ).

وبهذا يتضح بأن هذا الجسد المادي العنصري عبارة عن ثوب تلبسه الروح فترة زمنية معينة ثم ينتزع وتلبس ثوباً آخر وهكذا، والروح هي الروح والإنسان هو الإنسان لم يتغير بتغير وتبدل أثوابه.

(يتبـــــــــــــــــع)

3ـ ثم إن تبدل الأجساد للأرواح حصل حتى للملائكة والجن، فهذا جبرائيل (ع) فهو روح وله جسده الملكوتي، ولكنه يأتي للرسول محمد (ص) تارة على هيئة طائر وتارة على هيئة دحية الكلبي أحد أصحاب الرسول (ص)، وهو بهذا الجسد الآخر يؤثر بالماديات، واليكم بعض الروايات في هذا الصدد:

عن أم عثمان أم ولد لعلي قالت : كانت لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة يجلس عليها جبريل عليه السلام لا يجلس عليها غيره فإذا عرج رفعت وكان إذا عرج انتفض فسقط من رغب ريشه فتقوم فاطمة فتتبعه فتجعله في تمائم الحسن والحسين ) شرح إحقاق الحق ج 10 للسيد المرعشي ص 529.

وعن هشام بن عروة ، عن أم سلمة أنها قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يلبس ولده الحسين عليه السلام حلة ليست من ثياب الدنيا فقلت له : يا رسول الله ما هذه الحلة ؟ فقال : هذه هدية أهداها إلي ربي للحسين عليه السلام وإن لحمتها من زغب جناح جبرئيل ، وها أنا ألبسه إياها وأزينه بها ، فان اليوم يوم الزينة وإني أحبه ). شرح إحقاق الحق ج 11 للسيد المرعشي ص 288.

وعن ابن عمر قال : كان على الحسن والحسين تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرائيل عليه السلام ) شرح إحقاق الحق ج 10 للسيد المرعشي ص 528.

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته فغدا عليه علي بن أبي طالب عليه السلام بالغداة ، وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد ، فدخل فإذا النبي صلى الله عليه وآله في صحن الدار وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي . فقال : السلام عليك ، كيف أصبح رسول الله ؟ فقال : بخير ، يا أخا رسول الله . قال : فقال: جزاك الله عنا أهل البيت خيرا . قال له دحية : أني أحبك ، وأن لك عندي مدحة أزفها إليك : أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ، أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين . لواء الحمد بيدك يوم القيامة ، تزف أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان زفا. قد أفلح من تولاك وخسر من تخلاك . محب محمد محبك ومبغض محمد مبغضك ، لن ينال شفاعة محمد صلى الله عليه وآله ، أدن مني صفوة الله . فأخذ رأس النبي صلى الله عليه وآله فوضعه في حجره . فانتبه صلى الله عليه وآله فقال : ما هذا الهمهمة ؟ فأخبره الحديث . فقال : لم يكن هو دحية الكلبي ، كان جبرئيل سماك باسم سماك الله به ، وهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين ) اليقين للسيد ابن طاووس الحسني ص 162.

وإبليس(لع) أيضا يأتي على شكل أفعى أو على هيئة رجل أعرابي، كما حدث ذلك عندما حضر دار الندوة وأشار على المشركين بأن يجمعوا من كل قبيلة رجل لقتل رسول الله (ص) لكي يضيع دمه بين القبائل، أو عندما كان أول مبايع لأبي بكر في بيعة السقيفة.

(يتبـــــــــــــــــع)

4ـ وحتى مسألة رجعة الأئمة المعصومين (ع) قبل يوم القيامة ، لم يرد نص قطعي الدلالة على أنهم يرجعون بنفس أجسادهم المادية التي عاشوا فيها حياتهم الأولى، بل إن هناك كثير من الروايات تشير إلى أن رجعتهم بغير ذلك الجسد المادي الأول، بل إن هناك روايات كثيرة تشير إلى أن عالم الرجعة يختلف نسبياً عن عالم الحياة الدنيا، فهو عبارة عن عالم برزخي بين الحياة الدنيا وعالم يوم القيامة الكبرى، ولذلك تجد بعض الروايات تنص على أن عالم الرجعة عالم منفتح على العالم الأخروي نسبياً، فيمكن رؤية الأرواح وكذلك رؤية الملائكة والجن، بل هناك تفصيل لكيفية قتال أمير المؤمنين (ع) لإبليس وجنوده في عالم الرجعة.

نعم الرجعة تكون بنفس الأرواح والأجساد الملكوتية لهم (ع)، فهم هم لا يوجد تغير أو تبدل في شخصياتهم (ع)، ولكن هل أن أجسادهم العنصرية المادية هي نفسها التي يحيون بها في عالم الرجعة ؟ هذا ما لم يقم عليه دليل كما قدمت.

إذن فمسألة إحياء الأموات بغير أجسادهم المادية التي ماتوا فيها مسالة ممكنة وغير مخالفة لقواعد الشريعة الحقة.

(يتبـــــــــــــــــــــــــع)

ملاحظة:

هذا البحث للاطلاع فقط ولا يجوز نسخه إلا بإذن من مؤلفه .وانتظروا بقية البحث انشاء الله تعالى.

الشبهة الثالثة:

ورب قائل يقول: نعم لو سلمنا بإمكان إحياء الله تعالى الأموات بغير أجسادهم المادية الأولى، ولكن كيف يمكن أن يعيش الإنسان ويعمل بعض الوظائف وهو لم يولد بعد؟ ثم يولد وينمو من طفل إلى غلام إلى كهل وهكذا ، فالذين تكلمنا عنهم سابقاً أُناس عاشوا ثم ماتوا ثم أحياهم الله تعالى ، وأما مسألة الشبيه، فهي أنه قبل أن يولد بمئات السنين مارس بعض الوظائف وصُلب، ثم الآن وُلد من أبوين وعاش كسائر الناس إلى أن صار رجلاً كبيراً، كيف يمكن تعقل ذلك؟!

الجواب:

1ـ إن مسالة إحياء الموتى بأجساد أخرى غير التي عاشوا بها في أول حياتهم، لا تختلف كثيراً عن إحياء الموتى بولادة جديدة من نطفة فمضغة فعلقة حتى الولادة وهكذا.

بل إن مسالة الولادة أقرب وأسهل للقبول من الإعجاز، عندما تعاد الروح من جديد في جسد آخر دفعة واحدة، كما حصل ذلك مع نبي الله أرميا عندما أحياه الله تعالى وكسا عظامه لحماً من جديد، فهذا طريق إعجازي أبعد قبولاً من ولادة الإنسان ولادة طبيعية بأن تتعلق روحه بالنطفة إلى أن يكون طفلاً جنيناً وهكذا.

فبدل أن يحيى الإنسان بجسد جديد وبصورة رجل كبير ويمارس حياته وينمو إلى أن يكون كهلاً ثم يموت، يحيى في الرحم إلى أن يكون طفلاً فيولد وينمو إلى نهاية حياته، ولا فرق بين الإحيائين بل الثاني أقرب وأسهل في القبول.

2ـ إن قضية الشبيه موافقة تماماً للشريعة الحقة، فهو لم يولد سابقاً ثم وُلد مرة أخرى حتى يقال بالتناسخ أو ماشابه، بل ولد مرة واحدة وأما حياته السابقة فهي بقدرة الله تعالى أنزله من عالم الأرواح ليمارس الدور بدلاً من نبي الله عيسى (ع).

فالأنفس مخلوقة قبل تعلقها بهذه الأجساد المادية، وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى اخرج ذرية آدم (ع) من صلبه على هيئة الذر وأخذ العهد عليهم، قال تعالى:

( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) الأعراف 172.

وصرحت كثير من الروايات بأن الأنفس قد عاشت عالم الذر وقد امتحنها الله تعالى وميّز الطيب من الخبيث، وإن ما ائتلف هناك ائتلف هنا وما اختلف هناك أختلف هنا في هذه الحياة الدنيا.

عن جعفر محمد بن علي باقر علم النبيين عن أبيه عن جده عليهم السلام، قال: إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق حيث أقامهم فقال: ( ألست بربكم ) ؟ فقالوا : بلى . فقال : ومحمد رسول الله ؟ فقالوا جميعا : بلى . فقال: وعلي أمير المؤمنين ؟ فقال الخلق جميعا: لا، استكبارا وعتوا عن ولايتك إلا نفر قليل، وهم أقل القليل وهم أصحاب اليمين ) اليقين للسيد ابن طاووس الحسني ص 282.

وعبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله عز وجل : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) إلى آخر الآية قال : " أخرج الله من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه ثم قال : ألست بربكم قالوا : بلى وأن محمدا رسول الله وعليا أمير المؤمنين " ) غاية المرام ج 1 ص 94.

وقد مارس الكثير من أولياء الله تعالى كثيراً من المهام قبل أن يولدوا بآلاف أو مئات السنين، وهم أرواح قبل أن تتعلق بهذه الأجساد الدنيوية.

(يتبـــــــــــــــــع)

وسأذكر بعض ما قام به أمير المؤمنين (ع) قبل أن يولد بآلاف أو مئات السنين:

ومن ذلك ما رواه أصحاب التواريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور ثم قال: أجرني يا رسول الله، فقال: ممن ؟ فقال: من هذا الفتى المقبل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: وما ذاك ؟ فقال الجني: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثم أخرج يده مقطوعة فقال النبي: هو ذلك ) مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص 126.

وروي أيضاًً: ( أن جنيا كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فاستغاث الجني وقال : أجرني سليمان فأرسل إلي نفرا من الجن فطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني ، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل ، فنزل جبرائيل عليه السلام وقال : الحق يقرئك السلام ويقول لك : إني لم أبعث نبيا قط إلا جعلت عليا معه سرا ، وجعلته معك جهرا ) مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص 126.

ومن طريق المخالفين ما رواه صاحب فضائل العشرة: إن جنياً كان جالسا في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وآله - فدخل علي - عليه السلام - فغاب الجني ، فلما خرج علي عاد الجني إلى مكانه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وآله - : لم غبت عند حضور علي ؟ فقال : يا رسول الله إن عليا جرحني . قال : وكيف ؟ ولم تظهر إلا في زمن سليمان - عليه السلام - ).

وعن أمير المؤمنين (ع) قوله: ( كنت مع الأنبياء باطنا ومع رسول الله ظاهرا ).

وعن الرسول محمد (ص) انه قال لعلي (ع): ( يا علي كنت مع الأنبياء سرا ومعي جهرا ).

فانظر هداك الله تعالى إلى أسد الله الغالب علي بن أبي طالب (ع)، كان المحامي والمدافع عن الأنبياء والمرسلين منذ آلاف السنين، وكان يُرى على صورته وهو يقتل أو يجرح أعداء الله تعالى وأعداء رسله، رغم أنه لم يكن مولوداً ولم تحل روحه في جسده المادي العنصري الذي عاش فيه (63) سنة، ثم بعد ذلك ولد وعاش الحياة الطبيعية من الصغر وحتى الكبر ثم استشهد سلام الله عليه ثم يعود أيضاً مرة ثالثة في الرجعة للقضاء على إبليس وجنده.

وبهذا لا يمكن لأحد أن يعترض على بعض أولياء الله تعالى ويشكك في حقيقة وجودهم مع الأنبياء والمرسلين (ع) ، وبهذا أيضاً لا يمكن لأحد أن يعترض أو يشكك في مسألة تحمل أول المهديين من ذرية الإمام المهدي (ع) الصلب بدلاً عن نبي الله عيسى (ع).

وإضافة إلى كل ما تقدم انقل للقارئ المنصف خطبة لأمير المؤمنين (ع) يذكر فيها بعض فضائله وبعض أعماله مع الأنبياء والرسل (ع):

(يتبــــــــــــــــــــــع)

قال (ع) : ( أنا عندي مفاتيح الغيب ، لا يعلمها بعد رسول الله إلا أنا ، أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الأولى ، أنا صاحب خاتم سليمان ، أنا ولي الحساب ، أنا صاحب الصراط والموقف ، قاسم الجنة والنار بأمر ربي ، أنا آدم الأول ، أنا نوح الأول ، أنا آية الجبار ، أنا حقيقة الأسرار ، أنا مورق الأشجار ، أنا مونع الثمار ، أنا مفجر العيون ، أنا مجري الأنهار ، أنا خازن العلم ، أنا طود الحلم ، أنا أمير المؤمنين ، أنا عين اليقين ، أنا حجة الله في السماوات والأرض ، أنا الراجفة ، أنا الصاعقة ، أنا الصيحة بالحق ، أنا الساعة لمن كذب بها ، أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، أنا الأسماء الحسنى التي أمر أن يدعى بها ، أنا ذلك النور الذي اقتبس منه الهدى ، أنا صاحب الصور ، أنا مخرج من في القبور ، أنا صاحب يوم النشور ، أنا صاحب نوح ومنجيه ، أنا صاحب أيوب المبتلى وشافيه ، أنا أقمت السماوات بأمر ربي ، أنا صاحب إبراهيم ، أنا سر الكليم . أنا الناظر في الملكوت ، أنا أمر الحي الذي لا يموت ، أنا ولي الحق على سائر الخلق ، أنا الذي لا يبدل القول لدي ، وحساب الخلق إلي ، أنا المفوض إلي أمر الخلائق ، أنا خليفة الإله الخالق ، أنا سر الله في بلاده ، وحجته على عباده ، أنا أمر الله والروح ، كما قال سبحانه : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي. أنا أرسيت الجبال الشامخات ، وفجرت العيون الجاريات ، أنا غارس الأشجار ، ومخرج الألوان والثمار ، أنا مقدر الأقوات ، أنا ناشر الأموات ، أنا منزل القطر ، أنا منور الشمس والقمر والنجوم ، أنا قيم القيامة ، أنا القيم الساعة ، أنا الواجب له من الله الطاعة ، أنا سر الله المخزون ، أنا العالم بما كان وما يكون ، أنا صلوات المؤمنين وصيامهم ، أنا مولاهم وإمامهم ، أنا صاحب النشر الأول والآخر ، أنا صاحب المناقب والمفاخر ، أنا صاحب الكواكب ، أنا عذاب الله الواصب ، أنا مهلك الجبابرة الأول ، أنا مزيل الدول ، أنا صاحب الزلازل والرجف ، أنا صاحب الكسوف والخسوف ، أنا مدمر الفراعنة بسيفي هذا ، أنا الذي أقامني الله في الأظلة ودعاهم إلى طاعتي ، فلما ظهرت أنكروا ، فقال الله سبحانه : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، أنا نور الأنوار ، أنا حامل العرش مع الأبرار ، أنا صاحب الكتب السالفة ، أنا باب الله الذي لا يفتح لمن كذب به ولا يذوق الجنة ، أنا الذي تزدحم الملائكة على فراشي ، وتعرفني عباد أقاليم الدنيا ، أنا ردت لي الشمس مرتين ، وسلمت علي كرتين ، وصليت مع رسول الله القبلتين ، وبايعت البيعتين ، أنا صاحب بدر وحنين ، أنا الطور ، أنا الكتاب المسطور ، أنا البحر المسجور ، أنا البيت المعمور ، أنا الذي دعا الله الخلائق إلى طاعتي ، فكفرت ، وأصرت ، فمسخت ، وأجابت أمة فنجت ، وأزلفت ، أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان ، ومقاليد النيران ، كرامة من الله ، أنا مع رسول الله في الأرض وفي السماء ، أنا المسيح حيث لا روح يتحرك ولا نفس يتنفس غيري ، أنا صاحب القرون الأولى ، أنا الصامت ومحمد الناطق ، أنا جاوزت بموسى في البحر ، وأغرقت فرعون وجنوده ، وأنا أعلم هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلم على لسان عيسى في المهد ، أنا الذي يصلي عيسى خلفي ، أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء الله ، أنا مصباح الهدى ، أنا مفتاح التقى ، أنا الآخرة والأولى ، أنا الذي أرى أعمال العباد ، أنا خازن السماوات والأرض بأمر رب العالمين ، أنا القائم بالقسط ، أنا ديان الدين ، أنا الذي لا تقبل الأعمال إلا بولايتي ، ولا تنفع الحسنات إلا بحبي ، أنا العالم بمدار الفلك الدوار ، أنا صاحب مكيال وقطرات الأمطار ، ورمل القفار بإذن الملك الجبار ، ألا أنا الذي أقتل مرتين وأحيى مرتين وأظهر كيف شئت ، أنا محصي الخلائق وإن كثروا ، أنا محاسبهم بأمر ربي ، أنا الذي عندي ألف كتاب من كتب الأنبياء ، أنا الذي جحد ولايتي ألف أمة فمسخوا ، أنا المذكور في سالف الأزمان والخارج في آخر الزمان ، أنا قاصم الجبارين في الغابرين ، ومخرجهم ومعذبهم في الآخرين ، يغوث ويعوق ونسرا عذابا شديدا ، أنا المتكلم بكل لسان ، أنا الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب . أنا صهر محمد ، أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه ، أنا باب حطة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص 269.

(يتبـــــــــــــــــع)

ففي هذه الخطبة وغيرها الكثير، ينص أمير المؤمنين (ع) على أنه مارس عشرات الوظائف مع الأنبياء والمرسلين وفي هذه الحياة الدنيا وقبل أن يولد بآلاف السنين، وسأذكر بعضها للتركيز عليها:

1ـ أنا صاحب نوح ومنجيه .

2ـ أنا صاحب أيوب المبتلى وشافيه .

3ـ أنا أقمت السماوات بأمر ربي .

4ـ أنا صاحب إبراهيم .

5ـ أنا سر الكليم.

6ـ أنا أرسيت الجبال الشامخات، وفجرت العيون الجاريات، أنا غارس الأشجار، ومخرج الألوان والثمار، أنا مقدر الأقوات، أنا ناشر الأموات، أنا منزل القطر، أنا منور الشمس والقمر والنجوم.

7ـ أنا مهلك الجبابرة الأول ، أنا مزيل الدول ، أنا صاحب الزلازل والرجف ، أنا صاحب الكسوف والخسوف ، أنا مدمر الفراعنة بسيفي هذا.

8ـ أنا المسيح حيث لا روح يتحرك ولا نفس يتنفس غيري.

9ـ أنا صاحب القرون الأولى.

10ـ أنا جاوزت بموسى في البحر، وأغرقت فرعون وجنوده.

11ـ أنا المتكلم على لسان عيسى في المهد.

12ـ أنا الذي يصلي عيسى خلفي.

13ـ أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء الله .

14ـ ألا أنا الذي أقتل مرتين وأحيى مرتين وأظهر كيف شئت.

15ـ أنا قاصم الجبارين في الغابرين ، ومخرجهم ومعذبهم في الآخرين.

القول الفصل:

والقول الفصل هو ما نص عليه أمير المؤمنين (ع) في خطبة طويلة له، قال لسلمان: ( ... يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي سر الله المكنون ، وأولياؤه المقربون ، كلنا واحد ، وسرنا واحد ، فلا تفرقوا فينا فتهلكوا ، فإنا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن ، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت ، ولا ينكره إلا أهل الغباوة ، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ... ) مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص 257.

فقوله (ع): ( فإنا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن ) دليل واضح على أن أوصياء الرسول محمد (ص) إلى يوم القيامة قد أعطاهم الله تعالى قدرة الظهور في كل زمان وفي أي هيئة شاء الرحمن، من أول الخلق والى نهايته.

والمهدي الأول من ذرية الإمام المهدي (ع) هو أحد أوصياء الرسول محمد (ص) والذي نص عليه الرسول في وصيته باسمه وصفته، إذن فهو أيضاً يظهر في كل زمان، وشاء الله تعالى أن يُظهره في زمن نبي الله عيسى (ع) ويُلقي عليه شبهه ليتحمل الصلب والعذاب بدلاً عنه.

ومن أنكر ذلك يكفيه رد أمير المؤمنين (ع) بقوله: ( فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت ، ولا ينكره إلا أهل الغباوة ، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ).

وقد أشار رسول الله (ص) إلى ذلك في دعاءه لأمير المؤمنين (ع) فقال: (... اللهم أعطه جلادة موسى واجعل في نسله شبيه عيسى ـ عليه السلام ).

فمن هو شبيه عيسى الذي من نسل أمير المؤمنين (ع) غير المهدي الأول من ذرية الإمام المهدي (ع)؟!

وقد ذكر أهل البيت (ع) بأن ميتهم ليس بميت، وله أن يأتي إلى الحياة الدنيا بإذن الله تعالى.

فعن أمير المؤمنين (ع) في أحد خطبه ، قال: ( أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون. فإن أكثر الحق فيما تنكرون ) نهج البلاغة ج 1 ص 154.

وعن الصفار ، عن الحسن بن علي بإسناده [ قال : ] سئل الحسن بن علي عليهما السلام بعد مضي أمير المؤمنين عن أشياء ، فقال لهم: أتعرفون أمير المؤمنين إذا رأيتموه ؟ قالوا : نعم . قال : فارفعوا هذا الستر . فرفعوه فإذا هم به عليه السلام لا ينكرونه ، فقال لهم [ علي عليه السلام ] : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبقى من بقي حجة عليكم ) بصائر الدرجات للصفار ص295.

( يتبـــــع انشاء الله تعالى)

بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط

رد: بحث حول وصي القائم (ع) وشبيه عيسى (ع) للاطلاع فقط