الدعوة اليمانية من منظار السنن التأريخية

الحلقة الثالثة:

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على البشير النذير محمد وآله الطاهرين الأئمة والمهديين وسلم تسليماً.

قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ).(الفرقان:43). لكل انسان قِيَم ومبادئ تسيّره ويسير فكره وتنسقل نفسه تبعاً لما يحمله من قيم فهي التي تحدد سلوكه فإن كانت تلك القيم منخفضه انخفضت غايات ذلك الانسا تبعاً لها وإن كانت عالية سمت وارتفعت غايات الانسان ،فما يحمله الانسان من مبادئ يحدد سلوكه ويفسر لنا مواقفه التي يتخذها في الحياة. فكل انسان اختار مبدءاً معين معناه اختار الطريقة التي يسير عليها في الحياة الدنيا وفقاً لما يمليه عليه مبدءه الذي اختاره. و هذا المبدء الذي يحدد سلوك الانسان يعتبر إلهاً ، ولهذا عبّر القران الكريم عن الهوى بأنّه إله يعبد من دون الله تعالى، لانه الآمر والناهي والموجه لسلوك الانسان فكل من له هذه الخصائص يعتبر إلهاً يعبد . ولو تأملنا في حياة المجتمعات البشرية السابقة لوجدنا الأسباب التي دعتها لاتخاذ آله عبدتها وحددت هذه الآله المتخذة طبيعة سلوك هذه المجتمعات ،

السبب الاول:التقليد الأعمى.

يعرض لنا القرآن الكريم في كثير من الآيات التي تتحدث عن المجتمعات التي واجهت الأنبياء (ع) بأنهم كانوا يعبدون سيرة آباءهم وطريقتهم، قال تعالى:(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ).(الزخرف:22 ).وقال تعالى:(وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ).(الزخرف:23).وقال تعالى: (فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ).(الصافات:70). فقد سيطر على أذهان الناس واقع الأباء الذي كانوا يعيشونه فلم يستطيعوا أن يفكروا باستقلالية ويترفعوا عن واقع الأباء وبقوا خاملين وأخذت منهم سيرة الأباء وطريقتهم مأخذاً ابعدهم عن الحق وواجهوا خيرة خلق الله وهم الأنبياء (ع). فوقعوا في مصيدة تقليد الغير وبالتالي انتقلت المعتقدات الفاسدة من جيل الى جيل . فمن هذا المنطلق يجب على الانسان ان يعطي لنفسه حق التفكير في مصيره ولا يعتمد على غيره في تحديد مصيره ،إذ لعل ذلك الغير مخطئاً ومن هنا ذمت الآيات القرآنية اليهود حيث قال تعالى:(اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ).(التوبة:31 ). عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله) ؟ فقال : ( أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراماً ، وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ). (الكافي:1 / 53). فأصبح الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله . ومن هنا يعلم أن الطاعة المطلقة ثابتة لمن عصمه الله تعالى فقط ،لأنه لا يأخذ الناس في باطل ولا يخرجهم من حق ،ولذا ورد عن الرسول (ص) انه قال: يا ابن عباس سوف يأخذ الناس يمينا وشمالا ، فإذا كان كذلك فاتبع علياً وحزبه ، فإنّه مع الحق والحق معه ، ولا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض) .(كفاية الأثر : 18). فكل عنوان غير معصوم لا تجب طاعته مطلقاً ،ولهذا وجب على الناس ان تعرف إمامها ولا تطيع من هب ودب والا عادت سنّة اليهود الذين عبدوا علماءهم ؟

السبب الثاني: التسلط الطاغوتي والفرعوني.

لايخلو كل زمن من فراعنه ومصلحة الفراعنة الذاتية تتطلب إغماض أعين الناس عن الحق، لأنّ الحق يحول بينهم وبين تحقيق تلك المصالح ،قال فرعون : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ).(غافر:29 ). فيريد الفراعنه وضع الناس في إطار رؤيتهم فقط وليس من حق كل أحد ان ينظرنظرة تخالف الفراعنه. ومن هنا كانت رؤية الملأ من قومه لا تخالف رؤيته لأنهم اتخذوه إلهاً وبالتالي وقف الملأ في مواجهة نبي الله موسى واخاه هارون عليهما السلام،قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ ).(المؤمنون:45-46). ففرعون لكي يظمن وجوده ويبقى متسلطاً على الأمة أغمض أعين الناس، وهاهي السنّة تعود نفسها فكم فرعون في زمننا اغمض اعين الناس عن الحق وأخدت الناس تحارب حجج الله تعالى وترك الناس كلام رسولهم وأئمتهم(ع) واتبعوا كلام فراعنة العصرفأضلوهم عن الحق .